فصل: ذِكْرُ الْمَاءِ يُخَالِطُهُ الْحَلَالُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.كتاب الْمِيَاهِ:

قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، وَقَالَ: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]، وَقَالَ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [البقرة: 22].
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ: فَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ غُسْلَهُمْ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَاءِ، ثُمَّ أَبَانَ اللهُ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ، وَكَانَ مَعْقُولًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمَاءَ مَا خَلَقَ اللهُ مِمَّا لَا صَنْعَةَ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ. وَذَكَرَ الْمَاءَ عَامًّا فَكَانَ مَاءُ السَّمَاءِ، وَمَاءُ الْأَنْهَارِ، وَالْآبَارُ، وَالْقِلَاتِ، وَالْبِحَارِ الْعَذْبِ مِنْ جَمِيعِهِ، وَالْآجَاجِ سَوَاءً فِي أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَوِ اغْتَسَلَ بِهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا حَمْلُ الْمِيَاهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ، فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ كُلِّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ وَلَقِيتُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُتَطَهَّرَ بِهِ يَجْزِي إِلَّا مَاءَ الْبَحْرِ، فَإِنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا وَأَخْبَارًا عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ:

ثَابِتٌ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
157- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ.
158- وَأَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أنا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أنا مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ؛ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ.
159- أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أنا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: نا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَأَبُو ضَمْرَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْبَحْرِ: «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
160- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ عُمَرَ، سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ، فَقَالَ: «وَأَيُّ مَاءٍ أَطْهُرُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ».
161- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا حَجَّاجٌ، ثنا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «مَاءُ الْبَحْرِ طَهُورٌ».
162- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا أَبُو عُبَيْدٍ، ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَمَّاسَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَبِهِ نَقُولُ لِظَاهِرِ نَصِّ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وَمَاءُ الْبَحْرِ مِنَ الْمِيَاهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] وَلِلثَّابِتِ عَنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «هُوَ الطُّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِلْرِوَايَةِ الَّتِي رُوِّينَاهَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُوَ قَوْلُ عَوَامِّ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِ ذَلِكَ، رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ. وَرُوِّينَا عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ تَحْتَ بَحْرِكُمْ هَذَا نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرٌ، وَتَحْتَ الْبَحْرِ نَارٌ، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرٌ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ أَبْحُرٍ وَسَبْعَةَ أَنْوُرٍ، لَا يَجْزِي مِنْهُ الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالتَّيَمُّمِ أَعْجَبُ إِلَيَّ.
163- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا الْحَجَبِيُّ، ثنا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي الْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ: التَّيَمُّمُ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْهُ.
164- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثَنَا هُدْبَةُ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَلْجَيْتَ إِلَى الْبَحْرِ فَتَوَضَّأْ مِنْهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَفِي قَوْلِهِ: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ مَاءِ الْبَحْرِ.

.ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْحَمِيمِ:

قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] الْآيَةَ فَالْمَاءُ الْمُسَخَّنُ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْمِيَاهِ الَّتِي أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بِهَا.
وَرُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ لِبَشْرَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ». وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمُسَخَّنِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ.
165- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أنا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ، كَانَ يَتَوَضَّأُ وَيَغْتَسِلُ بِالْحَمِيمِ.
166- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ طَالُوتَ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، ثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ لِعُمَرَ قُمْقُمٌ يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَتَوَضَّأُ.
167- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ الْحَمِيمِ.
168- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ الْحَمِيمِ وَيَتَوَضَّأُ».
169- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ، مَوْلَى سَلَمَةَ أَنَّ سَلَمَةَ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ الْمَاءُ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ.
170- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا رَاشِدُ بْنُ مَعْبَدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: رَأَيْتُ الْمَاءَ يُسَخَّنُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي الشِّتَاءِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ بِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَكَذَا قَالَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ جَمِيعًا. وَرُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْوُضُوءَ بِالْمَاءِ السَّاخِنِ، وَالَّذِي رَوَى عَنْهُ ذَلِكَ لَيْثٌ، وَلَيْسَ لِكَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ مَعْنًى. وَقَدْ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ غَيْرُ جَائِزٍ بِمَاءِ الْوَرْدِ أَوْ مَاءِ الشَّجَرِ وَمَاءِ الْعُصْفُرِ، وَلَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ إِلَّا بِمَاءٍ مُطْلَقٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ.

.ذِكْرُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ:

أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ جَائِزٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَالْوُضُوءَ لَا يَجُوزُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْرِبَةِ سِوَى النَّبِيذِ. فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الطَّهَارَةِ بِهِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ إِلَّا بِالْمَاءِ خَاصَّةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ تَيَمَّمَ لَا يَجْزِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ. هَذَا مَذْهَبُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَالَ: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَيَعْقُوبُ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَا يُتَوَضَّأُ بِلَبَنٍ وَلَا بِنَبِيذٍ.
وَفِيهِ لِلْحَسَنِ قَوْلٌ ثَانٍ، وَهُوَ أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَ عَطَاءٌ الْوُضُوءَ بِاللَّبِنِ، وَكَرِهَ أَبُو الْعَالِيَةِ الِاغْتِسَالَ بِالنَّبِيذِ، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ بِاللَّبِنِ، فَقَالَ: لَا تَوَضَّئُوا بِاللَّبِنِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمُ الْمَاءَ فَلْيَتَيَمَّمْ بِالصَّعِيدِ.
171- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى شَرِيكٍ عَنْ مُوَرِّقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ، بِإِسْنَادٍ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: النَّبِيذُ وُضُوءٌ لِمَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ. رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عِكْرِمَةَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: إِنِ ابْتُلِيَ وَتَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ جَازَ كَمَا وَصَفَ أَبُو الْعَالِيَةِ تَمَرَاتٍ أُلْقِيَتْ فِي الْمَاءِ حَتَّى غَيَّرَ اللَّوْنِ، فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّيَمُّمِ وَجَمْعُهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ.
172- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثنا أَبُو بَكْرٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ قَالَهُ النُّعْمَانُ: لَا يَجْزِي أَنْ يَتَوَضَّأَ حَتَّى مِنَ الْأَشْرِبَةِ إِلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ. وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِنَبِيذِ الزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَلَا لِسَائِرِ الْأَنْبِذَةِ. وَوَافَقَهُ زُفَرُ عَلَى مَقَالَتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَتَوَضَّأُ بِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضٌ مَنْ يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ فَسَأَلَنِي، فَقَالَ: «أَمَعَكَ وَضُوءٌ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللهِ مَعِي إِدَاوَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذٍ. فَقَالَ: «تَمْرَةٌ طَيْبَةٌ، وَمَاءٌ طَهُورٌ». فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْفَجْرَ.
173- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ الْعَبْسِيِّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ. وَرَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالُوا: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ اللهِ، وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ. وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ وَأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِوَايَةِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ مَعَ أَنَّ عَلْقَمَةَ قَدْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللهِ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ.
174- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ» وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ لَا يُجِيزُ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] افْتَرَضَ اللهُ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ، وَفَرَضَ عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ مِنَ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ التَّيَمُّمَ بِالصَّعِيدِ فَلَيْسَ يَجُوزُ طَهَارَةٌ إِلَّا بِالْمَاءِ أَوِ الصَّعِيدِ، إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ وَجَاءَ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ.
175- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمْسِسْهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ».
176- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، ثنا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، ثنا عَوْفٌ، ثنا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ، ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَدَعَا بِوَضُوءٍ، ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَانْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مَنَعَكَ يَا فُلَانُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ؟» فَقَالَ: يَا رَسُول اللهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَوْ كَانَتِ الطَّهَارَةُ تَجْزِي بِغَيْرِ الْمَاءِ لَأَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ اطْلُب نَبِيذَ كَذَا، أَوْ شَرَابَ كَذَا، فَدَلَّ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجْزِي إِلَّا بِالْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فَالتَّيَمُّمُ.

.ذِكْرُ الْمَاءِ يُخَالِطُهُ الْحَلَالُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الَّذِي يُخَالِطُهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ. كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمَاءِ أَلْبَانٌ أَوِ الْقَطْرَانُ. وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنْ ظَهَرَ رِيحُ الْقَطْرَانِ فِي الْمَاءِ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ الْمَمْزُوجِ بِالْعَسَلِ، وَلَا بِالْمَاءِ الَّذِي يُبَلُّ فِيهِ الْخُبْزُ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ فِي كِسَرٍ بُلَّتْ فِي مَاءٍ غَيَّرَتْ لَوْنَهُ، أَوْ لَمْ تُغَيِّرْهُ، قَالَ: يُتَوَضَّأُ بِهِ. وَذُكِرَ عَنْ يَعْقُوبَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَاءٍ غُلِيَ بِأُشْنَانٍ، أَوْ بَأْسٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَتَعَالَجُ بِهِ النَّاسُ فَيَغْتَسِلُونَ وَيَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْبَابُونَجِ وَشِبْهِهِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَجْزِي بِذَلِكَ مَا لَمْ يَغْلِبْ ذَلِكَ فَيَكُونُ ثَخِينًا، فَإِذَا ثَخُنَ فَإِنَّهُ لَا يَجْزِي، وَلَيْسَ يَجْزِي الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمِيَاهِ تُطْبَخُ حَتَّى تَتَحَوَّلَ عَنْ حَالِهَا إِلَى حَالٍ غَيْرِهَا وَيُسَمَّى بِغَيْرِ اسْمِ الْمَاءِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَرَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ بِالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَمَا اخْتَلَطَ بِالْمَاءِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَلَمْ يُغَيِّرِ الْمَاءَ لَوْنًا، وَلَا طَعْمًا، وَلَا رِيحًا، فَالطَّهَارَةُ بِهِ جَائِزَةٌ، وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَمَا غَيَّرَ الْمَاءَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ حَتَّى لَا يُقَالَ لَهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ فَالْوُضُوءُ بِهِ غَيْرُ جَائِزٌ، وَذَلِكَ إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَاءِ مَا اخْتَلَطَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى لَا يُسَمَّى مَاءٌ مُطْلَقٌ.